القاهرة .. برج العذراء
قلت: سأذهب إلى أرض ثانية وبحر آخر
إلى مدينة أخرى تكون أفضل من تلك المدينة
كل محاولاتي مقضي عليها بالفشل *
تعرف كيف تمارس دومًا اغوائها ..
الاغواء الأول هو الاغواء الأخير
الاسكندرية ..!
تعطيك تلك المدينة سببًا مقنعًا للغياب عن كل شئ
عاصمة لاتنام ولا تدعك تصحو من حلم جميل يرافقك فترة ما بعد العودة .. وما بعد التيه
عاصمة الملح والقسوة .. التى تفتتنى الى بقايا أملاح حارة صغيرة، بكل حنان..
أحببتها .. كم أحببتها !
وربما أحببت أيضًا الصخرة التى حطمتنى على حوافها بداخلها .. هناك
وبرغم كل شىء
الا اننى لم أستطع يومًا اتتزاع قدماى من أرض القاهرة وأنا أتطلع الى سمائها هى ! ء
وكأن
لى جسدًا منفصمًا على رغباته .. تركض قدماى الصغيرتان بمدينة تملكنى ..
وتتعلق عيناى الحائرتان مثلى، بسماء مدينة أكثر حيرة، تسكننى
القاهرة .. ليست مدينة بلا قلب
القاهرة تعنى لى كل ما هو غامض للآخرين .. وأعرفه كنفسى
هذه المدينة كانت تختلف .. كانت كالأغنيات .. انها مسئولية سامعيها فلم نلومها ونخدشها
القاهرة مسئوليتنا .. انها مرآة شعورنا بها
وكانت كالموسيقى التى أعرفها وخزًا وخزًا .. والجدران التى أعرفها خدشًا خدشًا
دافئة .... وصلبة
وكانت كالشتاء .. الذى لا يتآخر الا حينما يخرج منى
كانت القاهرة تمرض .. حين تغادرنى
وكانت كالقهوة .. التى تتجرع مرارتى قطرة قطرة ولا تكف عن هدهدتى بدفء
القاهرة طالما رشفت هشاشتى ووحدتى فى صمت طوال هذا الطريق وسواه دون شكوى واحدة
وأعرف فى كل مرة، كم ابتسمت شوارعها فى تواضع آسر أمام فرحة الأطفال اللذين يتراكضون فى دمى
إنها تفهم معنى ذلك الصوت .. ووقع هذه الخطوات على جسدها ، تمامًا
وكانت كالهواء .. هذا الغريب الذى أحبه
انه آخر كائن "حى " نفكر به وآخر ما يترك لدينا انطباع ، رغم انه .. الوحيد الذى لا يغادرنا حقًا
القاهرة هى الحبيبة التى تعرفك أكثر من نفسك وتشاركك كل شىء .. ونادرًا ما تترك بداخلك انطباع
القاهرة هى الحبيبة التى تحب من طرف واحد دائمًا .. وبلا أمل
.
.
وقل دائمًا، وداعا للإسكندرية التي أنت فاقدها .. *
الاسكندرية كانت دمى .. ولكن القاهرة بالتأكيد هى الهواء الذى أتنفسه !
ربما
كان ما حدث اننى أفنيت عمرى الصغير أضخ دمًا مصطنعًا بأوردتى .. لأننى لا
أجسر أن أحيا لدقيقة واحدة .. " كأضعف طائر" بدون هواء
كيف أهرب من مدينة تشبه الحب .. حين نحتار فى أمره
مدينة تشبه رجل العذراء الذى يطاردنى فى دمى .. انه رجل يحترق فى داخله ويتظاهر بالبرودة
القاهرة .. ليست مدينة بلا قلب
القاهرة من برج العذراء
انها مدينة تحترق فى عاطفتها حتى آخر رمق .. وتتظاهر بالبرودة
-----------------------------------
* الاقتباس عن قسطنطين كافافيس شاعر الاسكندرية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق